الشيخ علي أنموذجًا..
مطاعم الفول والطعمية.. دفء الوطن وأمنه القومي في طبق شعبي
تحت وطأة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعديد من دول العالم وخاصة الدول العربية والإفريقية، يأتي دور مطاعم الفلافل كأحد روافد حماية الأمن القومي والاقتصاد الوطني؛ لما لها من دور مهم في توفير الاحتياجات الغذائية للشعوب بأسعار في متناول المواطن البسيط، وفي ظل غلاء فاحش في معظم المواد الغذائية الأخرى.
أرض الكنانة
وفي قلب قاهرة المعز عاصمة الدولة المصرية الشامخة، وبين الأزقة القديمة التي تروي حكايات الزمن بين طيات بيوتها وملامح مرتاديها، يقف مطعم (الشيخ علي) واحدًا من العلامات التي لا تغيب عن عيون المارة في أحد أفقر الأحياء بالمنطقة الشمالية بالعاصمة -حي المرج-، فتجد هذا المطعم البسيط، الذي يبدو وكأنه قطعة من تاريخ مصر، يقدم كل صباح وجبات الفول والطعمية بأسعار زهيدة في متناول جموع المواطنين تحت وطأة أزمة اقتصادية وموجات غلاء عاتية تعصف بأسس التغذية لجموع المصريين من البسطاء.
لم يكن مطعم الشيخ علي، مجرد مكان لتناول الطعام، بل كان أشبه بملاذ آمن لجموع المصريين، خاصة البسطاء منهم؛ فتجد فيه العامل الذي خرج في الصباح الباكر، والطالب الذي يحمل حقيبته الثقيلة، وحتى الأم التي جاءت لتأخذ وجبة لأسرتها الصغيرة.
في هذا المطعم، يعمل الشاب أحمد مصطفى عمر عبد الفتاح، وزميله طه أحمد، وهما من أبناء محافظة الفيوم في العشرينيات من عمرهما، ويحملان على كتفيهما أحلامًا كبيرة، فهذا أحمد منذ أن ترك دراسته بسبب ظروف عائلته، وجد في العمل بمطعم الشيخ علي فرصة للرزق الشريف، أحمد ليس مجرد عامل؛ إنه روح المطعم، بابتسامته الدافئة وضحكاته السخيفة مع المواطنين من مرتادي المطعم، وكذا كلماته البسيطة التي تشع أملًا، يستقبل الزبائن يوميًا في جو مصري يحمل طابع الشعب المصري خفيف الظل.
بداية روتينة
يبدأ يوم أحمد في الرابعة فجرًا، حينما تتعالى أصوات الأواني في المطبخ، ويتصاعد بخار الفول الذي يُطهى في قدور كبيرة، يتأكد أحمد من إعداد كل شيء بعناية، من الخبز الساخن إلى أقراص الطعمية المقرمشة، كما يحرص على أن تكون الوجبات ليست فقط مشبعة، بل مليئة بالمحبة، تلك المحبة التي تنعكس في تعاملاته اليومية.
لم يكن أحمد مجرد عامل يقدم الطعام، بل كان يدًا تمتد للناس، عندما يأتي رجل عجوز لا يملك ثمن وجبته، يقدم له أحمد الفول والخبز دون أن يطلب شيئًا، وهذا بتوجيه من مالك المطعم وهو الشيخ علي الشاب الثلاثيني الذي نجح في تدشين هذا المطعم ليعول نفسه ويفتح بيوت شباب آخرين كما يسهم في تنمية بلده أيضًا، وعندما يدخل طفل صغير ليشتري وجبة لأسرته، يضيف أحمد قطعة طعمية إضافية بابتسامة خفية.
دويلة صغيرة
وبمرور الوقت، أصبح مطعم الشيخ علي مكانًا للقاء الجميع، من كل الطبقات والشرائح؛ فهو يجسد جزءًا من روح مصر، حيث تتساوى المائدة وتختفي الفوارق الاجتماعية. يقول أحمد دائمًا: "الفول والطعمية هما طعام المصريين من آلاف السنين، مش بس وجبة، دي جزء من تراثنا وروحنا."
وفي يوم من الأيام، جاء رجل أنيق، يبدو أنه صاحب شركة كبيرة، وطلب وجبته كأي مواطن بسيط، قبل أن يغادر، غير أنه طلب لقاء الشيخ علي والشاب أحمد، وامتدح الرجل جودة الطعام وروح الخدمة في المطعم، متمنيًا لهما التوفيق والنجاح، مشيرًا إلى أن المطعم يعد أحد الأماكن التي تقدم أكثر من مجرد طعام؛ إنها تقدم دفء الوطن وقيمه النبيلة.
وفي كل صباح جديد، يستمر أحمد في صنع البهجة بطبق فول ساخن وقرص طعمية طازج، ويبقى مطعم الشيخ علي شاهدًا على قصة كفاحه، وعلى حكاية الشعب المصري الذي يجد دائمًا طريقه للحياة رغم كل الصعاب.