سوق السلاح في السودان..تجارة الموت التي تؤجج نيران الحرب
مع تصاعد النزاع المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023، برزت تجارة السلاح كأحد العوامل الرئيسية التي تؤجج الصراع، محولة السودان إلى ساحة مفتوحة لتجارة الموت. فبينما يتقاتل الطرفان على الأرض، تنشط شبكات تهريب الأسلحة في الخفاء، لتغذي الحرب وتزيد من معاناة المدنيين.
يكشف العربي24 كيف تتحرك هذه التجارة في الظل، من أين تأتي الأسلحة؟ وكيف تصل إلى أيادي المقاتلين؟ ومن هم المستفيدون من استمرارها؟
أسلحة في كل مكان.. كيف أصبح السودان سوقًا مفتوحًا للسلاح؟
"يمكنك شراء بندقية كلاشينكوف كما تشتري أي سلعة أخرى، فالسوق متاح لمن يدفع"، هكذا يصف أحد السودانيين النازحين إلى مصر، الوضع الحالي لتجارة السلاح في السودان.
كما يشير مصدر مطلع إلى أن الحرب المستمرة أدت إلى انتشار غير مسبوق للأسلحة، ليس فقط بين الأطراف المتحاربة، بل أيضًا بين المدنيين، ما تسبب في تصاعد العنف والجريمة المنظمة.
مضيفا أنه يتم تهريب الأسلحة إلى السودان عبر عدة قنوات، أبرزها:
1. مخازن الجيش.. الأسلحة المسروقة تغذي الحرب
مع اندلاع الاشتباكات، سيطرت قوات الدعم السريع على عدد من القواعد العسكرية، ما أتاح لها الاستيلاء على كميات ضخمة من الأسلحة والذخائر، بعض هذه الأسلحة استخدم مباشرة في القتال، بينما تم تهريب بعضها إلى السوق السوداء، حيث تباع بأسعار مرتفعة.
2. الدعم الخارجي.. أيادٍ خفية في النزاع
ويؤكد مصدر أمني في حديث لوكالة الأنباء "أسوشيتد بريس " إنه رغم نفي الأطراف المتورطة تلقي أي دعم عسكري خارجي، إلا أن تقارير دولية أكدت وصول شحنات أسلحة حديثة إلى السودان عبر قنوات سرية، هذه الشحنات تشمل أسلحة متطورة مثل الطائرات المسيّرة والصواريخ المضادة للطائرات، ما يعكس حجم التنافس الإقليمي على النفوذ داخل السودان.
3. السوق السوداء.. التجار والسماسرة يحكمون اللعبة
تعد السوق السوداء المحرك الأساسي لتجارة الأسلحة، حيث يستخدم المهربون تطبيقات مشفرة ومنصات تواصل اجتماعي لإتمام الصفقات، الأسلحة تُباع بأسعار متفاوتة، حيث يصل سعر بندقية الكلاشينكوف إلى 1200 دولار، بينما تُباع القنابل اليدوية بأسعار تتراوح بين 50 و100 دولار.
مسارات التهريب.. كيف تعبر الأسلحة الحدود؟
1. الحدود البرية.. شريان الحياة لتجارة الموت
تُهرب الأسلحة إلى السودان عبر عدة دول مجاورة، أبرزها:
تشاد وليبيا: عبر شبكات تهريب مرتبطة بجماعات مسلحة ناشطة في الصحراء الكبرى.
إثيوبيا وإريتريا: حيث تُنقل الأسلحة بواسطة عصابات تهريب متخصصة.
جنوب السودان وأوغندا: عبر طرق غير شرعية يستخدمها تجار الحرب.
2. الموانئ السرية.. البحر الأحمر نقطة عبور رئيسية
يُعتقد أن بعض شحنات الأسلحة تصل عبر البحر الأحمر، حيث يتم إنزالها في موانئ صغيرة غير خاضعة للرقابة الصارمة، ثم يتم نقلها عبر شاحنات مدنية إلى مناطق النزاع.
3. الشحنات الدبلوماسية والطائرات الخاصة
في بعض الحالات، تصل الأسلحة عبر شحنات تحمل تصاريح دبلوماسية مزورة أو عبر طائرات شحن خاصة تعمل بغطاء تجاري، ما يجعل تعقبها أكثر صعوبة.
مدنيون تحت النار.. كيف يدفع الأبرياء الثمن؟
مع انتشار الأسلحة، ارتفعت معدلات الجريمة والقتل العشوائي بشكل غير مسبوق، حيث أصبحت عمليات السطو المسلح والخطف جزءًا من الحياة اليومية في بعض المناطق.
"فقدت زوجي وابني في يوم واحد.. كانوا في طريقهم لشراء الخبز عندما اندلعت اشتباكات مفاجئة"، هكذا تروي "أم خالد"، وهي نازحة من الخرطوم، قصتها بصوت متهدج، مضيفة: "لم نعد نأمن على حياتنا، السلاح في كل مكان".
كما أن العديد من المنظمات الحقوقية حذرت من أن استمرار تدفق الأسلحة سيؤدي إلى تفكك النسيج الاجتماعي، مع انتشار الميليشيات القبلية والجماعات المسلحة التي تعمل خارج سلطة الدولة.
ماذا بعد؟ هل يمكن إيقاف هذه التجارة؟
رغم الجهود الدولية لفرض عقوبات على مهربي الأسلحة، إلا أن غياب سلطة مركزية قوية يجعل تطبيق هذه العقوبات أمرًا شبه مستحيل.
1. العقوبات الدولية.. فعالية محدودة
فرض مجلس الأمن الدولي قيودًا على توريد الأسلحة للسودان، لكن ضعف الرقابة وسهولة التهريب عبر الحدود جعل هذه العقوبات عديمة الجدوى.
2. المبادرات المحلية.. محاولات لم تنجح بعد
بعض القبائل والمجتمعات المحلية أطلقت مبادرات لنزع السلاح، لكن في ظل غياب الأمن، يجد الكثيرون أن امتلاك السلاح ضرورة لحماية أنفسهم.
3. الحلول الممكنة.. هل هناك أمل؟
يرى خبراء أن الحل يكمن في:
وقف الدعم الخارجي للأطراف المتحاربة
تشديد الرقابة على الحدود والموانئ
تعزيز دور المنظمات الدولية في جمع الأسلحة من المدنيين
لكن في ظل استمرار الحرب، يظل تنفيذ هذه الحلول مجرد نظريات لا تجد طريقها إلى الواقع.
بينما تستمر الحرب، تبقى تجارة السلاح المحرك الرئيسي للصراع، تغذيه وتطيل أمده، ومع استمرار تدفق الأسلحة، يصبح السؤال الأكثر إلحاحًا: متى ينتهي نزيف الدم في السودان؟ وهل هناك فرصة حقيقية للسلام؟