دموع فوق الركام: معاناة أصحاب مقابر العبور بعد هدمها فوق رؤوس الموتى (فيديوهات مؤلمة)
تعيش أسر كثيرة حالة من الحزن والغضب بعد أن قامت محافظة القليوبية بتنفيذ قرار هدم مقابر العبور، ما أدى إلى تشريد الجثامين ونقلها إلى أماكن أخرى. ويشتكي الأهالي من الهدم المفاجئ رغم امتلاكهم سندات ملكية ووجود المقابر منذ أكثر من عشرين عامًا.
وأوضح الأهالي أن قرار الهدم جاء دون سابق إنذار كافٍ، مما سبب حالة من الإرباك والصدمة، وأشاروا إلى أن المقابر تمثل لهم قيمة معنوية كبيرة، حيث تضم رفات أحبائهم وتعد رمزًا للصلة الروحية بهم.
يطالب السكان المتضررون بضرورة وقف الأعمال مؤقتًا لحين الوصول إلى حلول تحفظ كرامة الموتى وتراعي حقوق الأهالي، مع تقديم تعويضات عادلة وتنظيم حوار شامل معهم لضمان التوافق على القرارات المستقبلية.
بين الخراب وضياع الحقوق
لم تكن تعلم أسرة المرحوم الحاج سمير عبد الحميد أن الزيارة الأخيرة لمقبرته قبل أسابيع ستكون أيضًا وداعًا للمكان الذي احتضن أحزانهم طوال عدة أشهر، عند وصولها إلى موقع مقابر العبور، وجدت المكان مغطى بالغبار والأنقاض بعد أن شرعت الجرافات في هدم المقابر ضمن حملة لإخلاء المنطقة.
بعيون تفيض بالدموع، يقول أحمد نجل المرحوم الحاج سمير عبد الحميد: "هذا المكان كان ملاذي. كنت أزور أبي وأشعر وكأني أراه، الآن أخذوا منا حتى الذكرى"، ويضيف بصوت يملؤه الأسى: "طلبوا منا نقل الجثامين بسرعة، ولم يراعوا مشاعرنا، نزلنا لمطالعة جثمان والدي وننظر ترتيب نقله إلى مقابر آمنة، لنحمله مرة أخرى وكأنني أعيد دفنه من جديد، وكأن الجرح فتح من جديد".
معاناة وصدمة
كانت أسرة الحاج سمير عبد الحميد محمد تستعد لإحياء ذكرى وفاته السنوية، حينما تلقت مكالمة صادمة من أحد الجيران: "جرافات المحافظة بدأت في هدم المقابر!"؛ هرعت الأسرة إلى المكان، لتجد المقبرة التي دفن فيها سمير منذ عدة أشهر قد أصبحت أكوامًا من الركام، ومعها ضاعت ذكرياتهم وحقوقهم.
يقول أحمد سمير، بصوت متهدج: "اشترينا المقبرة بعشرات الآلاف من الجنيهات، ولدينا سندات ملكية موثقة من الجهة المسؤولة، لم نتخيل أبدًا أن يأتي يوم يُهدم فيه مثوى والدي دون سابق إنذار".
يروي أحمد تفاصيل اللحظات الصعبة: "وصلنا لنجد أسوار مقبرة والدي عبارة عن أنقاض، كأن حرمته انتهكت، لم نعرف ماذا نفعل، بحثنا عن بقايا الجثمان وسط الغبار، وبدأنا إجراءات نقل الرفات إلى مقبرة أخرى، لكن الشعور كان فوق الاحتمال".
تؤكد العائلة أنها لم تُخطر رسميًا بعملية الهدم، "كيف يمكنهم هدم مقبرة نمتلك سند ملكيتها؟"، تتساءل ابنة المرحوم سمير بغضب ودموع في عينيها: "المقبرة كانت مكانًا للاطمئنان والشعور بالسلام، والآن أصبحنا في مواجهة كابوس لا ينتهي، حسبنا الله ونعم الوكيل في كل من اتخذ ونفذ قرار هدم المقابر".
يحكي أحد الجيران الذين شهدوا الواقعة: "كان الأمر فوضويًا، الأهالي كانوا يركضون بين القبور يحاولون إنقاذ ما يمكن إنقاذه، البعض انهار من هول الصدمة، خاصة أولئك الذين لم تهدمت مقابر ذويهم بشكل كبير".
على الرغم من احتجاج الأسرة، لم يتمكنوا حتى الآن من الحصول على تعويض أو تفسير واضح لما حدث، "أين نذهب الآن؟ من يعوضنا عن خسارتنا المعنوية والمادية؟".
تطالب أسرة المرحوم سمير عبد الحميد بمحاسبة المسؤولين عن هذا القرار العشوائي، واحترام العقود الموثقة التي بحوزتهم، فضلاً عن توفير بدائل تحترم كرامة الموتى وتخفف من معاناة الأحياء الذين ما زالوا يعيشون صدمة فقدٍ جديد.
وقال الحاج طلعت عبد الحميد شقيق المرحوم سمير عبد الحميد: أخويا مدفونا من سنة ومتسمعوش كلام أحمد موسى الكذاب وحسبنا الله ونعم الوكيل بهدلتوا الناس حتى الميتين مش رحمينهم كنتوا فين لما المقابر دي اتبنت وفين المحافظ إيه ذنب عظم الميتين تربته مهدوده عليه متسمعوش كلام أحمد موسى".
ويقول الحاج واضح ابن خالة المرحوم سمير عبد الحميد: "حاجة واحدة بس أحمد موسى من سوهاج عاوز إيه من الناس وتتهم الناس البلي يعلم بيهم ربنا يا موسى يا أحمد يا موسى اتق الله، تعالى شوف المباني اللي جايب مترين قماش فيهم شجرة وتقول دي الجثث، يا أحمد يا موسى انت ليك يوم".
قصة أسرة المرحوم سمير عبد الحميد ليست الوحيدة، فهناك العشرات من الأهالي، من مختلف الأعمار، وقفوا بين الأنقاض، يتحدثون عن ذكرياتهم مع أحبائهم المدفونين هنا، بعضهم يعاني من صعوبة العثور على بقايا رفات ذويهم.
يقول أحد ذوي الجثامين بالمقابر، الذي فقد والدته: "كان علينا نقل جثمانها إلى مقبرة أخرى على بعد عشرات الكيلومترات، استأجرنا سيارة خاصة لنقله، لكن الشعور كان قاسيًا جدًا، وكأننا نقتلع جذورًا لا تعوض".
الحكومة والإعلام
وسخر الإعلامي أحمد موسى من استغاثات الأهالي قائلًا: المقابر فارغة وفيها أكفان بجذوع نخل وشجر وهناك شائعات وأكاذيب تروجها جماعة الإخوان الإرهابية ضد الدولة المصرية.
ومن جهته كشف المهندس أيمن عطية محافظ القليوبية، في تصريح صحفي عن حقيقة هدم مقابر واستخراج جثامين بمنطقة أرض جمعية النصر بمنطقة أبو زعبل بمركز الخانكة، قائلًا: هذه المنطقة كانت مخصصة كأراضٍ زراعية ثم تم تغيير الاستخدام الخاص بجزء كبير منها لعدم صلاحيته للزراعة، وتحويله لعدد من الاستخدامات الأخرى، والموضوع تمثل فى تعدي عدد من تجار الأراضى على قطع من الأراضى التابعة للمحافظة فى منطقة الخانكة تسمى جمعية النصر، وأنشأت مقابر وهمية غير مرخصة، وهذه الجمعية كانت مخصصة فى الأساس أراضى زراعية، ثم تم تغيير الاستخدام نتيجة عدم صلاحية استخدام جزء كبير منها فى الزراعة لعدم من الاستخدامات.
وأضاف المحافظ: «أى جبانات بيبقى لها أسس وأكواد واختيار نوعية الأرض والتربة ومناطق المياه الجوفية وكلها مخططات، وللأسف عدد من الشركات الوهمية قامت فى فترات سابقة ببناء مجموعة من المقابر، وباعوا جزءا منها للمواطنين، ودى مش مرخصة وغير مقننة وغير مصرح بالدفن فى هذه الأراضى وفى الأساس هذه الأراضى كانت مخصصة لاستخدامات صناعية لأهمية موقعها وأنها فى مكان مهمة جدا للصناعة، وموضوع الصناعة هام جدا بالنسبة للدولة وتم التعدى على هذه الأراضي».
وأكمل عطية: هذه المنطقة كانت مخصصة لاستخدامات صناعية نظرا لموقعها، كما أنه بالقرب منها تم تخصص 172 فدان كجبانات لدفن الموتى، بعدما تم التأكد من عدم صلاحيتها للزراعة، وتحويلها لأنشطة أخرى منها جبانات وأنشطة صناعية متنوعة، وأن ما يحدث حاليا هو محاولة لتضليل المواطنين الذين قاموا بشراء تلك المقابر.
ومن جهته قال اللواء محمد الصحصاح رئيس مدينة الخانكة: تم رصد تعدى بالمخالفة على مساحة 30 فدانًا، من خلال إنشاء مقابر مخالفة وبيعها للمواطنين بطريقة غير شرعية، وتم استصدار قرارات إزالة للمقابر المخالفة، وتم تنفيذ تلك القرارات بالتنسيق مع أجهزة اللأمن بمديرية أمن القليوبية، والتى رافقت حملات الإزالة على مدار 4 أيام.
وأكمل الصحصاح: رصدنا عمليات الخداع التى يتم تنفيذها من خلال وضع أكفان فارغة من الموتى، أو جثث داخل المقابر، من خلال وضع تلك الاكفان وبداخلها "ليف نخيل، أو ورق كرتون، أو تين شوكي"، وغيرها من الوسائل المخادعة